في ظل واقع لبناني معقد سياسيا ينذر بأزمة حكم مفتوحة، جاءت جريمة اغتيال الفلسطيني ​سيمون طه​ في ​مخيم عين الحلوة​، لتطرح تساؤلات كبيرة حول الجهة التي تقف وراء توتير الوضع الأمني في أكبر ​المخيمات الفلسطينية​ في لبنان، كلما اتجه نحو الهدوء والاستقرار في ظل هذا المشهد المتداخل وبعد نجاح القوى الفلسطينية تفكيك الكثير من الالغام مع استفحال الازمة السورية والوقوف على "الحياد الايجابي" في الشؤون اللبنانية وعدم الانحياز لطرف ضد آخر.

جريمة اغتيال طه، الى جانب تصفيته جسديا بطريقة فيها الكثير من الاصرار على القتل بحقد، حملت هذه المرة رسائل كثيرة للداخل الفلسطيني والخارج اللبناني، اولها ضرب الاستقرار الذي ينعم به عين الحلوة منذ فترة رغم بعض الاحداث الامنية المتنقلة والحفاظ على صورته النمطية المشوهة كونه "بؤرة أمنية"، لا سيّما بعد الكلام الايجابي من مسؤولين أمنيين كبار في الدولة اللبنانية وبدء القوى الفلسطينية استثماره بافكار "مبادرة لأنسنة المخيمات" وإسقاط النظرة الأمنية القائمة منذ عقود، ومن ثمّ حرف الانظار عن عملية تسليم المطلوبين لأنفسهم طوعا من المخيم الى السلطات اللبنانية وقد بلغ عددهم نحو 60، ما ارخى بظلال من الارتياح وفتح الباب على تعميم التجربة الى مخيمات اخرى، وعرقلة مسيرة التعاون والتنسيق مع القوى اللبنانية السياسية والامنية وبدلا من التقدم خطوات الى الامام، العودة الى الوراء في حفظ الامن وتحصينه او على الاقل المراوحة في ذات المكان، وقطع الطريق على اتمام المزيد من المصالحات بين المجموعات والاشخاص والاحياء بعد كسر حاجز الخوف عبر شحن الاجواء والعودة الى المربّعات الأمنية والخشية من الانتقام.

وتؤكد مصادر فلسطينية بارزة لـ "النشرة"، ان القوى الفلسطينية هذه المرة امام تحدٍّ كبير في اعادة فرض الأمن بالقوة وهي دخلت في عنق الزجاجة ولن تخرج منها الا بخيارين لا ثالث لهما، الاول بذل المستحيل لكشف الجناة ومحاسبتهم وقطع الطريق على اي جريمة اغتيال جديدة، والثاني حماية الناس من الاغتيال عبر نشر قوة امنيّة رادعة في المكان الذي يستهدفون فيه عادة ريثما يتم القاء القبض على القاتل، وفي كلاهما صعوبة بالغة اذا لم يتم التفاهم بين مكونات قوى المخيم في عودة غير مباشرة الى معادلة "الأمن بالتراضي"، وبالتالي العودة الى السيرة الاولى من الاغتيالات بين الحين والاخر والتي بلغت اكثر من 42 عملية تصفية جسدية مباشرة في غضون السنوات الماضية.

وتشير المصادر الى ان هدوء المخيم العسكري هذا المرة مردّه الى الحرص على عدم الوقوع في فخ الاقتتال الداخلي او الفتنة، سيما وان البعض بدأ ببث شائعات للتوتير والاستعداد لجولة جديدة من الاشتباكات، او ضرب جسور الثقة بين القوى الفلسطينية نفسها وخاصة الوطنية والاسلامية والتي نجحت بتشكيل مرجعية موحدة في القيادة السياسية واللجنة الامنية وحتى القوة الامنية المشتركة، ولكنه بالمقابل سيُقابَل بما يشبه العصيان المدني الداخلي لجهة استمرار اقفال الطرقات والمحال التجارية رغبة او رهبة، ريثما يتحدَّد مصير الخطوات المقبلة، موضحة ان الرهان على عنصر الوقت هذه المرة غير مجدٍ لجهة الدعوة الى التروّي والقول ان قطع الطرقات غير مفيد، ومن اجل عدم "تضييع" العام الدراسي على الطلاب، او الاضرار بمصالح التجار واصحاب المؤسسات والدورة الاقتصادية الراكدة اصلا في ظل الازمة الخانقة والبطالة والمعاناة اليومية، وهي الاسباب نفسها التي تدفع في كل مرة الى عدم استكمال ما يتفق عليه، ونسيان ما جرى بانتظار حادث دموي او امني جديد لمعالجته بـ"التقطيع" و"المونة" و"لجنة التحقيق" التي باتت تعرف بين ابناء المخيم عرفا بانها "مقبرة الحقيقة".

خلاصة القول، فان الوضع الامني في عين الحلوة اليوم "مقلق" ومن الصعب الخروج منه دون خطوات عملية تحافظ على الانجازات الامنية والسياسية، والقوى الوطنية والاسلامية أمام تحدٍّ كبير لجهة كيفية التعامل الحازم مع جريمة اغتيال طه حتى لا تتكرر مجددا، خصوصًا وأنّها جاءت بعد وقت قصير على آخر جريمة اغتيال حصلت في المخيّم واستهدفت علي عوض "البحثي" دون كشف الجناة ومحاسبتهم، ما جعل الباب مفتوحا على عمليات اغتيال أخرى تكررت مع طه... فمن هو المستهدف الاخر؟!